السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شخص رهن أرض زراعية في دين لشخص آخر قبل ثلاثين عامًا، وكان الشخص المرهون له يستخدمها خلال تلك الفترة، فما الحكم. وهل له أن يتملّك الأرض؟ وهل يجوز للراهن أن يزرع أرضه بعد رهنها؟ وكيف يفتك الرهن؟
_______________________________
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
قد نقل غيرُ واحد من أهل العلم الإجماع على أنَّ الرهن الذي لا يحتاج إلى مؤنة لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بشيء منه. قال السرخسي: لا خلاف أن المرتهن لا يملك الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن.
وقال ابن قدامة: لا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال، لا نعلم في هذا خلافًا.
والأرض الزراعية من ذلك، فإنه إذا انتفع بها، جرَّ له بالقرض نفعًا، وهذا نوع من الربا، وقد أجمع العلماء عليه.
ويجوز للمالك وهو الراهن أن يزرَع أرضه وربّما وفَّاه الدَّين من ناتجها كما هو الواقع في كثير من الحالات. وقد حكى ابنُ هبيرة الاتفاق على أنَّ منافع الرهن للراهن المالك.
ولا يَملك المرتهن الرهن بالدّين بمجرد عدم استيفائه عند حلول الأجل وحُكي عليه الإجماع، وإنما له أن يستوفي حقَّه من قيمته وما زاد رجع للمالك، والقرض موجب لرد المثل فقط، ومتى اشترط زيادةً لم يجز ذلك بالاتفاق كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فمن رَهَن أرضًا زراعية عند آخر في دين في ذمته فليس للمرتهن أن ينتفع بها بأن يزرعها ويأخذ الغلّة له، بل هذا حرام، ومن أكل أموال الناس بالباطل، وهو نوع من الربا سواء شرطه وهو أشد، أو أخذه بدون شرط كما لو كان من عادة بعض الناس الجُهّال.
ويَستوي في ذلك أن ينتفعَ بها قهرًا أو مع إذن المالك الراهن، لأنه يحصِّل نفعًا من قَرضه، وذلك نوع من الربا كما سبق. ولا يخلو من ظلم فإنه قد يُحصِّل مِن غَلتها في عدة سنوات مثل الدَّين الذي له في ذمة الراهن مالك الأرض. وفي السؤال أنه انتفع بها قريبا من ثلاثين سنة، وهذه مدة طويلة جدًّا، ويغلب على الظن أنه لم يصبر إلا لما يُحصّله من النفع السنوي من الغَلّة.
ويجوز اتفاق المرتهن والراهن على عقد استزراع، أو إجارة بشرط ألا يكون هناك محاباة لأجل الدَّين، بل يكون بحسب عادة الناس وكما لو استزرعها أو استأجرها غيره. فمثلا في الاستزراع يؤدّي نصيب المالك مثلًا نصف الناتج إليه، وفي الإجارة يحتسب الأجرة من الدّين، ونحو ذلك. والحاصل: أنه يجب على المرتهن التوبة إلى الله تعالى من ذلك، وعليه أن يَحتسب كل ما أخذ مِن الغَلة من الدَّين فإنْ كان قد استوفى دينه فقد افتك الرهن، وإن زاد ردَّ الأرض وما زاد للمالك أو لورثته، وإن بقي له شيء فالأرض باقية رهن فيما بقي، فإن صبر؛ وإلا طلب حقَّه، فإن أدوه له وإلا بيعت الأرض ويستوفى له ما بقي له، والله تعالى أعلم.